لطالما سمعت عن الثمار الناتجة من أصناف هجينة من النبات. وكنت أسمع أنه إذا ما أكلت تلك الثمرة والتى غالباً ما تكون مواصفاتها جيدة جداً، فإننى لا أستطيع زرع بذرتها حيث أننى إذا ما زرعت بذرة هذه الثمرة الناتجة من نبات هجين فأغلب الظن أن النبات الناتج عن هذه البذرة لن تكون مواصفاته مشابهة للنبات الأم ولن يتكون ثماره مشابهة للثمرة التى أكلت منها. وعندما أقول ليست مشابهه، فلا أقصد بذلك مجرد اختلاف طفيف للثمرة الناتجة من بذرة النبات الهجين، بل أقصد أنها ربما تكون متخلفة كل الاختلاف وبعيدة كل البعد عن مواصفات الثمرة التى قمت بأكلها. ولم أكن أفهم السبب وراء ذلك، ولكننى بالأمس فقت قررت أن أقرأ فى هذا الموضوع، والحمد لله وفقت إلى مقالة رائعة بالإنجليزية عن موضوع النباتات الهجينة وفهمت الموضوع بوضوح والحمد لله أخيراً بعد فترة طويلة من عدم الفهم له.
هجين F1
وعند قراءة ذلك الموضوع، فهمت أيضاً أشياء أخرى كانت تحيرنى، فلطالما قرأت رمز F1 مكتوباً بجانب البذور المعروضة فى كتالوجات بيع البذور. وكنت أرى هذا الرمز كثيراً، ولكننى لم أكن أفهم معناه. والحمد لله فهمت الآن، فهى يشير إلى أن هذا الصنف من البذور هو صنف هجين. والتفاصيل تتبع.
التلقيح الطبيعى
النباتات الموجودة فى الطبيعة تقوم معظمها بالتزهير وبداخل تلك الزهور توجد حبوب اللقاح. وتنتقل حبوب اللقاح هذه من نبات إلى آخر بفعل الرياح أو الحشرات التى تقف على تلك الزهور كالنحل مثلاً فتعلق حبوب اللقاح بأرجل النحلة ثم ما تلبث أن تسقط بداخل زهرة من نبات آخر عندما تزوره نفس تلك النحلة أثناء تجوالها بين الزهور. وبهذا يحدث التلقيح من نبات إلى آخر ويحدث العقد. وهكذا يتمكن النبات من إعطاء ثماره والتى يمكن أن تحتوى على بذور. والبذور الناتجة تحمل فى طياتها مزيج من صفات النبات الذى جاءت منه حبوب اللقاح والنبات الآخر المستقبل لحبوب اللقاح هذه. وتخضع هذه العملية لعلم الوراثة.
وعندما تحدث هذه العملية بشكل طبيعى، فإن النباتات الناتجة تكون حاملة لصفات مشتركة ما بين النباتين المتزاوجين وينتج عن هذه العملية المتكرره فى عدد كبير من النباتات جيل جديد من النباتات يحمل صفات وراثية مختلفة من نبات إلى آخر. وهذا الاختلاف مفيد حيث أنه إذا ما تغير المناخ أو تعرض النبات إلى إصابة بأى خطر فإن عدداً محدوداً من النباتات سوف يتأثر بينما نجد نباتات أخرى تتمكن من مقاومة الأخطار الجديدة بسبب اختلاف صفاتها الوراثية مما يجعلها تحتوى على صفات تجعلها مقاومة لهذا الخطر الجديد. هذا التنوع هو الأساس فى الطبيعة ما يؤدى إلى استمرار النباتات جيل بعد جيل وتأقلمها مع التغييرات فى المناخ والظروف المحيطة.
التهجين
ولكن الإنسان قد تدخل فى هذه المنظومة الطبيعية لكى يؤثر على نوعية الزراعات وأصناف النباتات والصفات التى تتصف بها. وقد حدث ذلك منذ القدم، فكان الإنسان ينتخب من النباتات أفضلها صفاتاً ثم يقوم بزراعة بذورها حتى يضمن جيلاً جديداً من النبات يتميز بصفات مرغوبه. وعملية الاختيار المتكررة هذه لجيل بعد جيل من النباتات تؤدى فى النهاية للوصول إلى نبات به صفات مرغوبه يفضلها الإنسان.
وقد مارس الإنسان التهجين فى النبات وذلك عن طريق تلقيح نبات به بعض الصفات المرغوبه بنبات آخر بها صفات أخرى مرغوبة أيضاً. وعندما ينتج عن ذلك جيل جديد من النباتات، يتم اختيار النباتات الجيدة فقط من هذا الجيل الجديد والتى تحمل كلاً من الصفات المرغوبة فى النباتين الأصليين بينما يتم الاستغناء عن إخوتها من النباتات التى لم يحالفها الحظ ولم ترث الصفات المطلوبة من أحد أو كلا النباتين الأصليين. ويمكن لهذه العملية أن تستمر لعدة أجيال من النباتات حتى يحصل القائم بعملية التهجين على الصفات التى يرغب فيها.
التهجين الحديث
ولكن عملية التهجين ما لبثت وأن تطورت مع الوقت ومع تقدم العلم والتكنولوجيا، فبات من الممكن التحكم بدقة أعلى فى صفات النباتات الهجينة. وباتت هناك طرقاً متخصصة لإحداث عمليات التهجين هذه. فتطور الأمر حتى بات من الممكن أن يقوم القائم على التهجين بصنع نوع من الأبجدية من النباتات والتى تحمل كل منها صفة مرغوبة معينة ثم يقوم بتهجين تلك النباتات مع بعضها البعض لكى يحصل على كل الصفات التى يرغب فيها.
فعلى سبيل المثال، نفترض أن هناك شخص متخصص فى تهجين النبات ويقوم باستنباط أصناف من أحد زهور القطف مثلاً. يقوم هذا الشخص بعمليات تهجين أولية بحيث يصل فيها إلى عمل نوع من الأبجدية الجينية بحيث يكون عنده مثلاً نبات مقاوم لأمراض معينه، ونبات آخر زهرته لونها بديع. وغالباً ما تكون هذه النباتات الممثلة للأبجدية الجينة والتى يحمل كل منها صفة مرغوبة غالباً ما تكون تتميز بهذه الصفة فقط بينما لا تكون فيها أى صفات أخرى مرغوبة بل ولا تتحمل الزراعة فى الظروف العادية.
وبعد أن يقوم المتخصص بهذه المرحلة من إنتاج نباتات تمثل أبجدية جينية نقية، يقوم بتهجين ما طاب له منها ليحصل على نباتات جيل جديد تحمل صفات مرغوبة عديدة فى نفس الوقت. وتسمى بذور نباتات الجيل الأول الهجينة هذه F1. ومن هنا نعلم من أين جاء هذا الاسم وهذا الرمز الذى نراه كثيراً مكتوباً فى المجلات بجوار أصناف الهجن المختلفة. ونظرياً، إذا ما قمنا بزراعة هذه الهجن ثم أخذنا بذورها وقمنا بزراعة جيل ثانى فإن اسمه سوف يصير F2. ولكن ما يحدث فى الواقع أننا نكتفى بالجيل الأول الذى تحكمنا بدقة فى صفاته.
وإذا ما زرعنا بذور هجين F1 فسوف نحصل على نبات ذا مواصفات مرغوبة من حيث مثلاً المقاومة للأمراض والحجم واللون والشكل ... إلخ. أما إذا ما أخذنا الثمار الناتجو واستخرجنا منها البذور ثم زرعناها، فلا ضمان لنا أن تلك البذور سوف ينتج عنها نباتات مشابهة للنبات الأم وفى أغلب الأحوال نجده يرجع إلى صفات غير مرغوبه بالمرة كانت موجودة فى نباتات الجدود والتى هى نباتات الأبجدية الجينية وربما يأخذ منها أضعف صفاتها بدلاً من أفضلها.
هل تزرع أصناف هجينة أم لا؟
إذا ما قررت أن تقوم بالزراعة باستخدام أصناف هجينة F1 فإنك فى هذه الحالة سوف تحتاج إلى شراء بذور فى كل موسم حيث أن الثمار الناتجة عندك لن يمكن زراعة بذورها أو بعبارة أخرى لن تفلح زراعة بذورها فى الحصول على الصفات المطلوبة فى النبات المزروع. أما إذا زرعت أصنافاً غير هجينة، لفن تحتاج إلى شراء البذور إلا مرة واحدة، وعند الزراعة فيما بعد يمكنك أخذ البذور من الجيل الأول وزراعتها، فسوف تحتوى على تباينات كبيرة فيما بينها فى الجينات تضمن لك الاستمرار جيلاً بعد جيل.
وهذا لا يعنى بالطبع أن تتجنب الأصناف الهجينة F1 فى زراعتك، بالعكس تماماً، فإن تلك الأصناف الهجينة تحتوى على صفات معلومة مصبقاً كمقامتها لأمراض معينة مثلاً وحلاوة فى الطعم أو إنتاجية مرتفعة. وكونك تشترى بذوراً فى كل موسم فهذا ليس بمشكلة. المشكلة الوحيدة تحدث إذا ما أتت على تلك الأصناف ظروف بيئية جديدة أو مرض جديد لم يكن فى الحسبان، ففى هذه الحالة سوف يأتى عليها جميعاً بعكس الحال عند زراعة الأصناف العادية ذات الخليط المتسع من الصفات الجينية فى بذورها، والتى تتمكن من مقاومة الظروف الجديدة والتأقلم معها.