الأحد، 17 مايو 2015

مبادرة مصر 2055

بسم الله الرحمن الرحيم،

الحمد لله، مرت قرابة الأربعة أعوام منذ آخر تدوينة لى هنا. وخلال هذه الفترة كنت أقوم بحضور دورات تدريبية على يد مصريين وأجانب فى مجالات شتى لم تقتصر على المجال الزراعى فحسب بل شملت أيضا مجالات أخرى متعددة مثل بناء البيوت باستخدام الطرق الطبيعية واستخدام مصادر وأساليب بديلة للطاقة فى عملية طهى الطعام واستخدام طاقة الشمس كبديل لتسخين المياه وغيرها من المجالات المتعلقة بالحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة.
وفى خلال رحلتى تلك، قابلت أشخاصا عديدة، وساهمت مع مبادرات متعددة لها علاقة بالتنمية المستدامة والبيئة والحياة الطبيعية الصحية. وقد لاحظت خلال رحلتى تلك أن لدينا فى مصر بالفعل من عندهم العلم العميق فى مجالات متعددة لها علاقة بالتنمية المستدامة والبيوت الطبيعية والزراعة الحيوية (الأورجانيك) وفى نفس الوقت لدينا فى مصر الحاجة لتوسيع نطاق الاستفادة من هذا العلم وتشجيع تلك المبادرات الواعدة وتوسيع نشاطها وتشبيكها مع بعضها البعض حتى تعم الفائدة ونخطو بخطى أوسع وأسرع لكى نصل إلى مبتغانا من العيش فى بيئة نظيفة خالية من التلوث بها زراعة طبيعية وبناء طبيعى واقتصاد أخضر غير ملوث للبيئة ومحافظ على صحتنا وعلى انسجام حياتنا اليومية وسلامنا النفسى.

الزراعة الطبيعية
وبناء على ما سبق، قررت أن أشطح بخيالى وأكسّر كل القيود وأحلم للمستقبل. فتخيلت مصر بعد 40 سنة من الآن، وحلمت أن تكون مصر فى عام 2055 مصر خضراء بها نسبة الزراعة الطبيعية الأورجانيك تبلغ 100% من الزراعة بحيث تكون مصر بلد خالية تماما من استخدام الكيماويات فى الزراعة سواء فى التسميد أو مكافحة الآفات. ورغم أن هذا الحلم يبدوا بعيد المنال وصعب التحقيق إلا أننى أراه ممكنا بالفعل، حيث أن الطرق والأساليب اللازمة للزراعة الطبيعية الأورجانيك موجودة بالفعل ولدينا فى مصر من العلماء والخبراء والممارسين لتلك الأنماط من الزراعة الطبيعية ما يكفى لتحقيق ذلك ولا ينقصنا سوى الإرادة لتحقيق هذا الحلم والقناعة بجدواه وإمكانية تحقيقه والتوعية للمستهلك وأيضا للفلاح والمزارع.

المبانى البيئية
ولن تكتمل حياتنا الرغدة بالزراعة الطبيعية الأورجانيك فقط، فعلى صعيد البيوت والمبانى، ارتأيت أن تكون مصر فى عام 2055 لا يتم فيها بناء أى بيت أو مبنى سكنى أو إدارى جديد إلا إذا كان مطابقا للمواصفات البيئية سواء مصنوع بشكل كامل أو جزئى من المواد الطبيعية أو به المواصفات اللازمة من ناحية المواد المستخدمة فى البناء ومن ناحية التصميم المعمارى كى يكون صديق للبيئة فيستخدم مثلا الهواء الطبيعى من مداخل ومخارج معينة لتكييف البيت بشكل طبيعى وتكون جدرانه من مواد طبيعية حتى تلطف الجو دون الحاجة إلى استخدام أجهزة التكييف الكهربائية والتى أعتبرها من وحوش الكهرباء حيث أنها تستهلك كميات هائلة من الطاقة الكهربائية لن نتحمل دفع فاتورتها فى المستقبل عندما يزداد تعداد السكان فى مصر وتظل نستورد كميات أكبر وأكبر من البترول لكى نغطى حاجتنا المتزايدة من الطاقة الكهربائية. وبرغم أن حلم البيوت الطبيعية يبدو بعيد المنال أيضا مثله مثل حلم الزراعة الطبيعية المستدامة إلا أن هذا النوع من المبانى قائم بالفعل ويمكن تصميمه وبناؤه وهو بالفعل مستخدم فى العديد من البلدان أذكر منها على سبيل المثال فقط وليس الحصر ألمانيا والهند.

وقد قمت بحضور أحد الدورات التدريبية على يد 3 مدربين من ألمانيا قاموا بتدريبنا على البناء باستخدام المواد الطبيعية وأخبرونا أن سوق المواد الطبيعية فى البناء تزداد فى ألمانا يوما بعد يوم. إذا فحلم المبانى الطبيعة فى مصر هو حلم يمكن تحقيقة على أرض الواقع والعلم الخاص به موجود بالفعل وكل ما نحتاج إليه هو الإرادة لتحقيقه والإيمان بفوائده الجمة على جميع المستويات وتوعية المستهلك بمدى الفوائد الصحية والحياتية لتلك الأنواع من المبانى حتى يطالب بالعيش فى بيوت مثلها فينتقل المقاولون إلى بنائها عندما يطلبها الجمهور بعد معرفتهم لفوائدها وإدراكهم لمميزاتها.

الطاقة المتجددة
وعلى صعيد الطاقة، فأحلم بأن تكون مصر بحلول عام 2055 تستخدم الطاقة المتجددة بنسبة 100%، وبرغم أن هذا الحلم مرة أخرى يبدو خيالى، حيث أن الطاقة التى يتم إنتاجها من البترول والغاز والفحم مازالت هى الآرخص حتى الآن فى معظم الأحيان، إلا أن المستقبل يمكن أن يشهد ارتفاعا فى أسعار تلك الأنواع من الطاقة الغير متجددة يصاحبه انخفاض فى أسعار الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة وعند ذلك سوف يكون من المجدى الاعتماد عليها فى مصر بشكل كامل بحلول عام 2055 أى بعد 40 سنة بإذن الله من الآن. وفى طريقنا للوصول لذلك فسوف نحتاج إلى الانتقال التدريجى لاستخدام تلك المصادر البديلة للطاقة والمتمثلة فى الطاقة المتجددة.

وتحظى مصر بمميزات فائقة فى نطاق الطاقة الشمسية حيث أن بها نسبة سطوع الشمس مرتفعة على مدار العام سواء فى الصيف أو فى الشتاء وأيضا نمط استخدام الطاقة عندنا فى مصر يزداد فى الصيف وهو الوقت ذاته الذى تكون فيه طاقة الشمس المتوفرة أكبر وبخلاف ذلك عندنا فى مصر المساحات الشاسعة فى الصحراء وفوق السد العالى التى يمكن وضع خلايا شمسية بها بكميات هائلة تكفى لتلبية كل احتياجات الطاقة فى مصر للاستخدام المنزلى وأيضا الصناعى بل وتفيض عنها للتصدير إلى دول أخرى فى أوروبا من خلال كابلات عبر البحر الأبيض المتوسط. وهذا ليس مجرد حلما، بل اقتصادياته موجودة والتقنيات اللازمة لتحقيقه أيضا موجودة بالفعل وكذا الخبرات المطلوبة لإنجازه، فكل ذلك موجود بالفعل ولا ينقصنا سوى الإرادة والقرار للسير فى هذا الطريق المضيئ بإذن الله.

الانتقال
وأخيرا، فبعد عنصر الزراعة الطبيعية المستدامة وعنصر البناء الطبيعى الصديق للبيئة ثم عنصر الطاقة المتجددة فلا يبقى سوى عنصر رابع وأخير ألا وهو عنصر الانتقال. ويشير هذا العنصر إلى الانتقال من مكان لآخر داخل البلد. هناك وسائل متعددة للانتقال مثل السيارات والقطارات والطائرات وغيرها من المركبات التى تستخدم البنزين أو السولار كى تتحرك وكلاهما منتجات بترولية. بالإضافة إلى الاستخدام المفرط للطاقة فإن تلك المركبات تقوم بتلويث الهواء مما يؤثر سلبيا على البيئة وبالتالى على صحة الإنسان. ومن يعيش فى القاهرة يدرك تمام الإدراك ويعلم تمام العلم مدى تلوث الهواء فيها والذى بدوره يؤثر سلبيا على صحة كل من يسكن فيها بل ويؤثر أيضا على مزاجهم النفسى بشكل سلبى وعلى طاقتهم الانتاجية فترى الواحد منا متعبا ومجهدا عند عودته من عمله بسبب ذلك التلوث الرهيب فى الجو والذى ينتج فى معظمه من السيارات التى تجوب شوارع العاصمة ليل نها.

ولذلك، فكى نحصل على حل متكامل ورؤية شاملة، لا يكفى أن نقوم بالتوجه نحو الزراعة والبيوت والطاقة فقط بل يجب علينا أن نوجد حلول مبتركة لعملية الانتقال أيضا. وتلك الحلول المبتكرة لا ينبغى أن تقتصر فقط على أشياء مثل استخدام السيارات التى تعمتد على الكهرباء بدلا من البنزين، ولا حتى يقتصر على استخدام أساليب أخرى للانتقال مثل الدراجات الهوائية ولكنه يتعدى ذلك وذاك فيصل إلى عملية تخطيط المدن ذاتها كى تصبح الأماكن قريبة من بعضها البعض يسهل الوصول إليها بالدراجات أو سيرا على الأقدام أو حتى بالسيارات ولكن على مسافات قريبة وبيسر فلا يحتاج الشخص منا لقيادة سيارته لمسافة 40 كم أو أكثر كل يوم لمجرد أن يذهب إلى عمله ولا يحتاج الأطفال إلى الانقال عبر مسافات هائلة كى يصلوا إلى مدارسهم كل يوم عندما تكون بعيدة عن منازلهم. إذا فموضوع الانتقال هذا هو جزء لا يتجزأ من التصور الشامل لمصر نظيفة جميلة صحيّة طبيعية تحنو على أهلها وتداعب أطفالها وتكون العيشة فيها رغدة حسنة طبيعية بيئية ويسكن أهلها بها فى سلام وانسجام واطمئنان.

الاجتماع الأول
وختاما، فقد قمنا بالأمس بعمل اجتماع مصغّر لتدشين مبادرة مصر 2055 والتى تهدف إلى تجميع كل من له رؤية وكل من له إيمان بمستقبل واعد لبلدنا مصر الحبيبة وكل من يريد أن يعيش أولاده فى سلام وأمان وبصحة جيدة وكل من يجرؤ على أن يفكر بشكل مختلف وكل من لديه فكر إيجابى بناء كى نبدأ سويا ونضع أيدينا فى أيدى بعض كى نسعى لتحقيق هذا الحلم الكبير بإذن الله سويا وبتوفيق من عند الله. أما عن ما أسفر عنه هذا الاجتماع وآليات تنفيذ هذا الحلم الواعد الكبير بإذن الله فهذا حديث آخر لتدوينة أخرى أرجو أن تكون قريبة بإذن الله ولا تأخذ منّى 4 سنوات أخرى حتى أقوم بنشرها.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بحب مصر، مش كلام، لكن بجد

أشرف الشفقى