الجمعة، 15 أبريل 2011

الزراعة ودروس مستفادة (بعد ثلاثة أعوام)

وها هو العام الثالث يمر منذ أن بدأت أن أسجل فى كشكول الزراعة المواعيد التى أقوم بالزراعة فيها والتى أقوم بالرى فيها. وقد واظبت على الكتابة فى هذا الكشكول على مدار ثلاث سنوات متتالية بلا كلل ولا ملل كل مرة أقوم بسقاية النبات فيها وتاريخها ووقتها وفى أى برج من الأبراج كان القمر مستقراً أثناء تلك الرية. وبما أننى قمت بكتابة الزراعة ودروس متسفادة بعد عام وأيضاً الزراعة ودروس مستفادة بعد عامين فها أنا ذا ولله الحمد أقوم الآن بكتابة الزراعة ودروس مستفادة بعد ثلاثة أعوام من بدئى لتسجيل العمليات الزراعية التى أقوم بها فى كشكول الزراعة.


وهذه المرة أقوم بكتابة الدروس المستفادة على هيئة أفكار خاطئة كنت أعتقد فيها ثم تغيرت وتبدلت بعد ملاحظتى للنبات على مدى سنوات، ومن هذه الأفكار:

النباتات تحب الشمس ولكن بحدود

كنت أعتقد فى أن النبات يحتاج إلى الشمس وأنه كلما اشتدت حرارة الشمس كان ذلك أفضل للنبات طالما أنه ليس من نباتات الظل التى لا تحب آشعة الشمس القوية. واندهشت أشد الدهشة عندما كنت أشاهد بعض النباتات فى أثناء فصول الصيف الحارة وأثناء فترة الظهيرة شديدة الحرارة كنت أجد تلك النباتات وقد تهدلت أوراقها وتدلت وكأنها تستغيث من آشعة الشمس القوية المسلطة عليها. واندهشت لذلك أشد الاندهاش حيث أن فكرتى عن النباتات كما قرأت أنها تحب الشمس مهما بلغت آشعتها قوة (باستثناء نباتات الظل التى لا تتحمل آشعة الشمس الحارقة والآشعة المباشرة). ولكننى تلعمت بعد هذه الملاحظة أن النباتات بصفة عامة حتى وإن لم تكن من نباتات الظل فلديها قوة تحمل معينة لآشعة الشمس يصعب عليها أن تتحمل ما هو أكثر منها. وفهمت أن حتى النباتات التى تحتاج إلى آشعة الشمس وتحبها فهى تحب الحماية أيضاً من آشعة الشمس الحارقة وصبو إلى شئ من الظل مثلها مثل الإنسان الذى تفيده الشمس ولكنها تحرقه إن اشتد لهيب حرارتها ونير آشعتها الملتهبة.

ومن الطريق أن النبات كعادته يحاول التكيف والتأقلم مع محيطة وتكون له ردود فعل ملائمة للظروف المحيطة به حتى يتمكن من الاستمرار فى العيش. وقد بدا هذا جلياً فى أوراق الأشجار واستجابتها لآشعة الشمس الحارقة فهى تقوم بالانثناء والانحناء والتدلى عندما تقسو الشمس بآشعتها الحارقة وفى هذه الحالة يكون الجزء المواجه للشمس من الورقة ضئيل للغاية بينما يكون الجزء المتدلى الغير مواجه للشمس كبير وبذا تتمكن الورقة من حماية نفسها من كمية آشعة الشمس الزائدة. بالإضافة إلى ذلك فإن الورقة عندما تتكرمش عندما تكون الشمس فى أوج سطوعها فإن ذلك أيضاً يقلل من المساحة السطحية للورقة المعرضة بشكل مباشر لآشعة الشمس. سبحن الله فى خلقة، فهذه أحد الاستجابات الطبيعية للنبات كى يتمكن من التكيف مع وجوده فى مكان به آشعة شمس حارقة وغياب الظل الكافى له.

مسارات الطاقة وإتجاه فروع النبات

هذه المعلومة قرأتها مرة بالإنجليزية فى أحد المدونات الشهيرة الخاصة بالزراعة الطبيعية المستدامة وهى أن النبات يقوم بمد سيقانه وأوراقه وتوزيعها بشكل يؤدى إلى توزيع مثالى لخطوط الطاقة. وخطوط الطاقة هذه أمر لا يندرج تحت العلوم الغربية التقليدية ولكنه ينتمى إلى العلوم الشرقية الآتية من بلاد مثل الصين والهند والتى من أشهر تطبيقاتها الطبية التى نعرفها الإبر الصينية والتى تعتمد على مسارات الطاقة فى الجسم البشرى.

ولم أكن أعرف بتلك المعلومة من قبل، فكنت لا أبالى إذا ما غيرت من وضعية النبات أو قمت بتحريك فروعه اللينة من مكانها وقمت بإعادة توزيعها وتغيير أماكنها والمسافات الموجودة بينها وبين بعض. ولكننى كنت ألاحظ أن النبات لا يكون فى أزهى صوره بعد أن أقوم بتحريك سيقانه ولخبطة ونعكشة نسقها الطبيعى التى اختارته لنفسها. وكنت بعد فترة ألاحظ أن النبات يعاود النمو والتفرع ويحاول مرة أخرى أن يقوم بتوزيع نفسه فى نسق متناسق ومتوازن ومسافات متآلفة فيبدوا فى مجموعه كوحدة واحدة منتاسقة متجانسة وسعيدة تضفى إحساس بالسكينة والهدوء والانسجام على من يراها ويمكث بجانبها.

وقد تعلمت من هذا الدرس أن لا أقوم بتغيير مواقع سيقان النبات حتى وإن كانت نباتات زاحفة أو متسقلة وأن أتركها لنمو فى الاتجاهات التى تريدها لنفسها. فإذا ما اضظررت إلى تحريك أماكن سيقان النبات فعلت ذلك فى أضيق الحدود وتركت للنبات فترة طويلة كى يقوم بإعادة توزيع نمواته الجديدة وتفريعاته بالشكل الذى يراه مناسباً والذى يجعل توزيع خطوط الطاقة ومسارات الطاقة داخل النبات فى أفضل شكل ممكن.

التكامل فى المعيشة بدلاً من التنافس على الغذاء

تربيت على فكرة أن النبات يحتاج إلى الغذاء والذى يستمده بدوره من التربة ولذا فإن تكدس النباتات بعضها بجوار بعض يخلق حالة من التنافس الرهيب على الموارد الغذاية الموجودة بالتربة ويؤدى إلى تدهور حالو النبات وعدم نموه بشكل عفى. وكنت لذلك أحرص أشد الحصر على عدم مزاحمة النباتات بعضها لبعض حتى لا تتنافس على الغذاء ويؤدى ذلك إلى ضعف نموها.

ورغم أن هذه الفكرة كانت مسيطرة علىّ إلا أننى لاحظت باندهاش النباتات تنمو وتترعرع بشكل عفى وبقوة أكبر وهى متكدسة ومتزاحمة عنها فى حالة خلو التربة إلا من نبات واحد أو نباتات على مسافات متباعدة! وقد اندهشت لتلك الملاحظة كثيراً ولم أتمكن من تفسيرها آنذاك ولكننى فهمت فيما بعد سبب ذلك الانتعاش الذى يحدث للنباتات إثر تواجدها متلاحمة مع بعضها البعض. السبب يكمن فى أن التربة عندما تكون معرضة لآشعة الشمس المباشرة ولا توجد بها نباتات تغطيها إلا على مسافات متباعدة فإن التربة لا تتمكن من الاحتفاظ بالرطوبة لوقت طويل وتموت بداخلها الكائنات النافعة والتى لا تتمكن من تحمل قيظ ولهيب آشعة الشمس السلطة على سطح التربة. أما فى حالة نمو النباتات جنباً إلى اجنب فينتج عن ذلك حماية سطح التربة من آشعة الشمس المباشرة مما يضاعف من قدرتها على الاحتفاظ بالماء والرطوبة مما يؤدى إلى نمو وانتعاش وتضاعف الكائنات الدقيقة النافعة بداخلها ويكون لذلك تأثيراً بالغ النفع على النباتات. كما أن نمو النباتات بجوار بعضها البعض يحميها من اشتداد آشعة الشمس. وبخلاف ذلك وذاك فإن النباتات إذا ما كانت نباتات صديقة فهى تزدهر وتزدهى عندما تجاور بعضها البعض فواحدة تمد التربة مثلاً بعنصر النايتروجين والآخرى تقوم باستهلاكه أو نبات يقوم بامتصاص آشعة الشمس القوية لاحتياجه لها والآخر يستظل بظله أو نبات تقوم جذوره العميقة بجلب العناصر الغذائية من أسفل التربة ونبات آخر تقوم جذوره الضحلة بالاستفادة من تلك العناصر. فى النهاية، فإن النباتات المتجاورة إذا كانت نباتات صديقة فهى تساند بعضها البعض وتهنأ مع بعضها بشرط أن لا يتم زراعة نباتات عدوة بجوار بعضها البعض (مثل البصل والفول مثلاً فهما لا ينسجمان مع بعضهم).